من المستغرب في عالمنا العربي أن يصبح زبّالٌ رئيساً للدولة، ومثله أصحاب المهن التي تصنف أنها من المهن الوضيعة! (مع أننا لا يمكن أن نستغني عنها على الإطلاق)، وسبب هذا الاستغراب أننا تعودنا على أن الرؤساء يأتون من أسر معينة أو أوساط خاصة، ومع أن هذا الاستغراب يناقض مبادئ ديننا الاسلامي الذي جعل الكفاءة هي الأساس، لكن البعد عن الدين وطبيعة البيئة التي نعيش فيها جعلت من قبولنا لحكم زبّال أو ما شابهه أمراً غير متوقع على الإطلاق. لكن عالمنا الحالي أثبت أن هناك أكثر من زبال وصلوا إلى حكم بلادهم، لكن واحداً منهم كان أكثرهم تميزاً وأكثرهم تأثيراً في بلاده، ذلكم هو لولا دا سيلفا، ابن البرازيل البار الذي استطاع نقلها من بلد فقير متخلف إلى خامس بلد في العالم من ناحية القوة الاقتصادية. لولا دا سيلفا عاش مع إخوته الثمانية حياة فقر مدقعة، وعاش حياة قاسية جداً ولم يستطع مواصلة دراسته بسبب الفقر، فعمل صباغ أحذية وبائع مناديل في الشوارع، ثم زبّالاً يجمع القمامة، لكن طموحه وعلو همته دفعته للعمل السياسي في بلدٍ لا تفرق بين الناس بحسب مكانتهم أو أنسابهم أو مبادئهم، واستطاع في العام 2002 الفوز في الانتخابات الرئاسية ليصبح رئيساً للبرازيل التي كانت واحدةً من أفقر دول العالم، واستطاع خلال ثماني سنوات أن ينقل بلده من حالة الفقر والتخلف لتصبح -كما توقع محللون اقتصاديون- خامس قوة اقتصادية في العالم العام 2016. وهي تملك حالياً حوالي مئتي مليار دولار، وفوق هذا استطاع تخفيض البطالة بصورة كبيرة جداً، وهذا ساعد على ارتفاع دخل الفرد بصورة كبيرة. اعتمد هذا الرئيس على التعليم في تطوير بلده وجعله الركيزة الأساسية في التطوير، إلى جانب الخدمات الصحية والاقتصادية، فهذا الثالوث هو الذي تقوم عليه الدول في صناعة نهضتها، وهذا هو الذي نحتاج إليه في عالمنا العربي. حكم الرئيس «الزبّال» ثماني سنوات عمل فيها الكثير للبرازيل، وقد أحبه البرازيليون بدرجة غير مسبوقة، فلما انتهت مدة ولايته طلبوا منه الاستمرار وتغيير الدستور ليتوافق مع رغبتهم، وتظاهروا كثيراً للضغط عليه كي يقبل لكنه رفض ذلك بشدة، وخاطبهم بقوله: «لن أفرض سنّةً قد تأتيكم ببلاء الدكتاتورية». وعمل كما يعمل معظم حكام العرب! ولكنه وعدهم أنه سيكون معهم في شوارعهم يقدم المساعدة لكل محتاج منهم. هذا نموذج نادر المثال خصوصاً في عالمنا العربي الذي يغيّر فيه الحاكم كل القوانين والأنظمة لكي يبقى حاكماً إلى الأبد، بغض النظر عن المواطنين واحتياجاتهم، بل أنه يدوس على هذه الاحتياجات مادام ذلك يحقّق له الديمومة والاستمرار بالطريقة التي يريدها، مهما كانت مخالِفةً لكل القوانين والأعراف. هناك رؤساء عملوا في بداية حياتهم في أعمال مهنية متواضعة منها مهنة «الزبالة»، ومن هؤلاء الرئيس الأميركى ليندون جونسون، الذي عمل زبّالاً وملمّع أحذية وغاسل صحون وعاملاً في مزرعة، إلى أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة. وقد مارس العمل نفسه أو قريباً منه الرئيس الأميركي جيمس غارفيلد وجونسون جيرالد ورونالد ريجان، وقد وصل هؤلاء إلى سدة الرئاسة على الرغم من تاريخهم المهني المتواضع، وكل ذلك بسبب الأنظمة الجيدة التي تحكم بلادهم ولا تفرّق بين شخص وآخر من حيث العموم. هذه الأنظمة التي لا أتوقّع أن عالمنا العربي سيشهد مثلها في وقت قريب. طبّق الغربيون القواعد الإدارية الصحيحة التي تجعل بلادهم تتقدم باستمرار، وكانت أنظمتهم التي وضعوها تصب في ذلك الاتجاه. ومع أننا في عالمنا العربي نطبّق المنهج الإسلامي إلا أننا نستبعد هذا المنهج في طريقة التعامل مع الرؤساء من البداية إلى النهاية، وهذا ما جعل الديكتاتورية تتمدّد في بلادنا وبصورة متوحشة، وهذا أيضاً ما جعل بلادنا تصاب بالضعف والترهل في معظم شئونها. هل للزبالة شأن في إبداع الرؤساء الزبالين؟ شخصياً لا أعرف ذلك، ولكني مع هذا أتمنى أن نجد زبّالاً يحكم بلداً عربياً لنستطيع الحكم على الفرق بين زبالينا وزباليهم!
المصدر من الرابط الاتى
http://almesryoon.com/%D8%A7%D9%84%D...A8%D8%A7%D9%84