البيئة والسلوك الانساني الغير سوي
مقدمة :
الإنسان كائن معقد, لهذا فسلوكه على درجة عالية من التعقيد, تؤثر في تشكيله وصياغته عوامل عديدة يصعب حصرها, ولعلّ تداخل هذه العوامل بتأثيراتها المتبادلة لا تتيح مجالا لوضع قوانين عامة تحكم هذا السلوك.
ويواجه المعلمون في مدارسهم العديد من المشكلات السلوكية غير المقبولة من بعض الطلبة, ومن هذه المشكلات ما يكون بسيطاً لا يقصد منها التعدي أو الإضرار بالآخرين, ومنها ما يطلق عليه بالمشكلات السلوكية الرئيسية والجوهرية التي تلقي بتبعاتها على الآخرين وتؤثر سلباً على الانضباط داخل غرفة الصف مثلما تؤثر على النظام التربوي بشكل عام.
سوف يتم التطرق في هذا التقرير إلى تحديد معايير السلوك السوي وغير السوي و أسباب حدوث السلوك غير المقبول و أشكال لبعض المشكلات السلوكية و السلوك العدواني وإستراتيجية تعديل السلوك العدواني وموضوع المشكلات التربوية والسلوكية من حيث: مفهوم السلوك بشكل عام, وما هو السلوك المقبول والسلوك غير المقبول ثم الانتقال بعد ذلك إلى ذكر بعضاً من أسباب حدوث السلوك غير المقبول والذي ينشأ عن الطلبة داخل الغرفة الصفية والتعرف بعد ذلك إلى بعض المشكلات الطلابية في الغرفة الصفية والتي يواجهها المعلم في الصف, وسيتم تحديد مشكلة للحديث عنها بشكل مفصل من حيث أسبابها وكيفية التعرف عليها, ودور المعلم في علاج هذه المشكلة السلوكية, وما هو دور المرشد التربوي في هذا الخصوص, وما هي طبيعة المساعدة التي يقدمها لحل هذه المشكلة ومن ثم النظريات التي تفسر السلوك غير السوي. وفي الختام تعليق بسيط حول السلوكيات الطلابية داخل الغرفة الصفية.
عرف بيارون PIERRON( 1963) علم النفس المرضي بأنه" دراسة الاضطرابات العقلية من حيث تصنيفها وصفها ميكانيزماتها و تطورها " ومن المؤكد أنه توجد اختلافات فيما يخص موقع هذا الميدان داخل هذه العلوم فمنهم من يرى أنه ميدان من ميادين الطب العقلي و منهم من يرى بأنه ميدان من ميادين علم النفس ومنهم من يرى بأنه علم قائم بذاته فمن خلال وجهات النظر هذه يتبين لنا أن موضوع علم النفس المرضي هو الظاهرة المرضية أي اللاسواء، و بين السواء و اللاسواء حاول عديد العلماء أن يقفوا عند حدودهما و أبعادهما لكن اختلاف المعايير حال دون ذلك، فقد استهل سكوت(Scott) إحدى مقالاته النقدية لبيان العقبات الخطيرة التي تعترض طريقة البحوث الخاصة بالصحة النفسية وتتمثل في عدم وجود تعريف واضح في التمييز بين السوي والمرضي حتى داخل المجموعة الثقافية الواحدة ذلك أن أحد الفروق التي تستخدم في التمييز بينهما تعتمد في جانب كبير منها على كمية القلق والمشقة التي يعيشها الأفراد وهي بلا شك تختلف من مكان إلى مكان ، ومن زمن إلى آخر ، ومهما يكن من الأمر فحينما نتناول المسائل المتعلقة بالسلوك السوي أو المرضي فإن استخدام هذين المصطلحين يُحاطان بكثير من الصعوبات ، لأن السؤال الذي سيطرح نفسه ما هو مؤشر كل من السوي والمرضي وما الحدود الفاصلة بينهما؟ أو بصورة أخرى من هو السوي حتى نتمكن أن نقيس على أساسه المريض؟.
إن التحديات الرئيسية التي تواجه الذين يعملون في مجال الأمراض النفسية هو تعريف السلوك السوي أو المرضي لأن كل التعاريف تتسم بكونها لا تصمد كتعريف ثابت متسق ويفسر بسهولة كل المواقف أو المظاهر التي يبرز فيها هذا المفهوم، لأن العلماء يُنِّظرون للمفهوم من زوايا خاصة ومن وجهات نظر فردية، وليس هذا فحسب من يصعب المهمة بل أن العوامل الثقافية والإيديولوجية تصعب بصورة أكبر حدود السواء والمرض فقد تعددت المحكات واختلفت المعايير التي تحدد ماهية السواء والمرضي.
1- بين السواء والمرض: يقول دافيسون ونيل(Davisson et Nil) " إذا كانت هناك صعوبة في تعريف السلوك السوي والسلوك المرضي فإن البديل هو البحث عن المحكات التي تحدث في ضوئها ا السلوك" ففي ظل غياب الاختبارات الكيميائية والحيوية أو النفسية المباشرة والمحددة للكشف عن وجود المرض النفسي وتحديده بشكل نهائي كما هو الحال في الأمراض الجسمية فإنه ينبغي تعريف السواء في صورة مصطلحات سلوكية واجتماعية ، ومن ثم فإنه سوف يكتسب معناه ودلالته من السياق الذي يحدث أو يُستخدم فيه، وقد نهج هذا الطريق سكوت حين اعتمد على مجموعة من المحكات التي وضعها لتحديد السوي واللاسوي ومن بينها:"القدرة العامة علة المواءمة والتكيف، القدرة على الإشباع الذاتي والكفاءة في القيام بالأدوار الاجتماعية والقدرة الذهنية ، وضبط الانفعالات والدوافع والاتجاهات السوية نحو الذات والمجتمع، الإنتاجية والاستقلال والتكامل" أما محكات اللاسواء فهي: "التعرض للعلاج النفسي ، سوء التوافق، التشخيص الطبي النفسي وتقرير الفرد عن نفسه أنه مريض ويحتاج إلى علاج ونتائج تطبيق الاختبارات النفسية ، عدم توفر الصحة النفسية أو المحاولة الإيجابية للاحتفاظ بها. إن السلوك البشري يكون في العادة على نوعين :سلوك ثابت موروث، وسلوك آخر متغير مكتسب أو متعلم وما يهمنا هنا أكثر هو السلوك المتعلم الذي يكتسبه الفرد أثناء حياته ولا يولد مزودا به، علما أن الإنسان يكون مزودا باستعدادات وقدرات ووسائل تستطيع مع مرور الوقت أن تنمو وتنضج وتتفاعل مع المؤثرات الطبيعية والاجتماعية المحيطة لتكون فيما بعد السلوك الذي نراه وقد يظهر لنا نوع من أنواع السلوك على شكل إجراء بسيط ولكنه في الواقع كير التعقد وهو ينطوي على العديد من القوى المتفاعلة داخل الموقف .
- السواء لغة : السواء في اللغة العربية له معان عدة من بينها "العدل" وسواء الشيء يعني: وسطه بين الفريقين، ويُقال رجل سوي الخلق أي استوى من اعوجاج وكذلك استوى الشيء يعني اعتدل، وجاء في الأثر "لا يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا" وأصل ذلك أن الخير في النادر من الناس فإذا استووا في الشر لم يكن فيهم ذو خير كانوا من الهلكى. وكلمة سوي في اللغة العربية تقابل المصطلح الفرنسي والإنجليزي (Normal) وهي مشتقة من اللفظ اللاتيني (Normlis) والتي تعني " صنع على قاعد" أي وضع تبعا لقانون أو مقياس أو محك، ثم أصبح المصطلح يعني الاتساق مع المعيار أو التطابق مع النوع الشائع والعمل وفق ما هو عادي وطبيعي ومنتظم.
- السواء اصطلاحا: السواء في علم النفس والطب النفسي يُقصد به:" مصطلح عام يرادف الصحة النفسية إلى حد بعيد ، كما يعني أيضا في علم النفس قيمة معيارية تمثل العادي أو المتوسط أو القريب من المركز ، كما يعني أيضا "التصرف تبعا للمعايير المقبولة " وكذا " كون الفرد صحيحا أو سليما أو في حالة صحيحة ومتحررة من الصراع".
- السوي من الوجهة الاجتماعية:هو السلوك المألوف والمعتدل والمتماشي مع القيم والمعايير الاجتماعية المتعارف عليها في بيئة الفرد السوسيوثقافية. فتكيف الفرد مع الجماعة قد يكون على مستوى عال وقد يكون أدنى من ذلك بقليل كذلك فإن الاضطراب في التكيف ليس من درجة واحدة ، وهو ما يسميه العلماء بـ:"متصل السواء والمرضي" وثقوم فكرة هذا المتصل على افتراض أساسي هو أن الأفراد يتدرجون بشكل مستمر من السواء إلى المرض وكل فرد يمكن أن يوجد في نقطة ما من هذا المتصل.
- السوي من الوجهة النفسية : هو السلوك الذي يواجه المواقف المختلفة بما يقتضيه هذا الأخير وفي حدود ما يغلب على تصرفات الأفراد ، فإذا كان الموقف محزنا واجهناه بالحزن وحين يظهر أحدنا ضاحكا في موقف حزين يُستهجن فينا هذا السلوك ، وجدير بالذكر أن نبين أن مواجهة الموقف أمر متعلق بالشخص وخبرته من جهة وبشروط الموقف المحبطة من جهة أخرى، كما يجب أيضا أن يُخذ بعين الاعتبار عمر الشخص ومستوى نضجه ومكانته فالطفل الذي لا يزال في الخامسة من عمره لا يستطيع مواجهة موقف الحزن بما يقتضيه لأنه لم يصل بعد إلى مستوى نضج الراشد. فالسواء إذن يخالف الاضطراب النفسي الشديد أو هو السلوك الذي يعبر عن عدم التناسق داخل الشخصية أو عن سوء التفاعل مع المحيط.
- من هو السوي : يرى فرويد أن الشخص السوي هو القادر على الحب والعمل ، وتجدر الإشارة إلى أن "الحب" من وجهة نظره يشمل مدى واسعا من الأفعال يمتد من حب الأشياء والأشخاص والموضوعات والأفكار والوطن إلى الجنس والتناسل أما رايش فيرى معيار ا خاصا للشخص السوي ينص على أن الشخص السوي هو القادر على أن يخبر المتعة الجنسية الكاملة فالقدرة على الوصول إلى الذروة الجنسية هي أكبر علامة على صحة الشخصية ، في حين يرى سوليفان أن الشخصية السوية هي تلك الشخصية ذات العلاقات الجوارية الواقعية أو غير الإبدالية أي التي تتأثر في علاقتها الحالية بالخبرات السابقة مع أناس سابقين والتي تتعامل مع الناس كما هم الآن، ويضع إريك فروم معيار التوجه المنتج لتحديد الشخص السوي ، ويرى من جهته أبراهام ماسلو أن السواء هو تحقيق الذات ومنه فالفرق بين السوي والمرضي في هذا المجال هو فرق كمي في الدرجة وليس كيفيا في النوع فالسواء لا يسير وفقا لمبدأ الكل أو لاشيء.
- تعريف اللاسواء : في اللغة العربية يقابل اللاسواء كلمة الشذوذ والتي أتت من الفعل شّذ شذوذا أي انفرد عن الجمهور وندر بهم ويُقال خالف القياس وشذ عن الأصول أي خالفها والشذوذ من الناس الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم أي قلتهم، ويقول النحاة(أصحاب النحو) شّذ من القاعة أي خرج منها ، ويقابل مصطلح اللاسواء في اللغة الفرنسية كلمة (Anormale) والتي تتكون من السابقة (A) والكلمة (normale) والتي تعني السواء والعادي ويقصد بها مجتمعة الاختلاف عن العادي والمتوقع. ويكون هذا الاختلاف في الغالب غير مرغوبا فيه ، والملاحظ أن المعنى اللغوي لمصطلح اللاسواء أو الشذوذ لا يحمل المضامين السلبية التي نلحقها سواء كان ذلك على المستوى المتخصص أو غي المتخصص .
- اللاسوي من الوجهة النفسية: ويقصد به انحراف عما يُعد سويا أو المختلف عن العادي وعن القاعدة العامة ، فالشاذ يرادف المرض وغير المتوافق أما في الإحصاء فيشير المصطلح إلى الدرجات الخارجية عن النطاق السوي أو المدى المتوقع للدرجات والمستبعد عن فئة المتوسط في التوزيع.
- اللاسوي من الوجهة الاجتماعية : هو الخروج عن القواعد المرسومة اجتماعيا من قبل فرد أو مجموعة أفراد ينتمون لنفس الجماعة ، ويسلكون غير سلوك الجماعة .
- مؤشرات السلوك اللاسوي : من مؤشراته التحرر الاجتماعي ، قصور التحكم الذاتي ، عدم القدرة على تحمل الإحباط ، الألم الذاتي أو الضيق(الحصر الدائم) ظهور علامات وأعراض ، عدم تناسب السلوك مع الموقف ،مع غرابة في السلوك وعدم معقوليته وصعوبة التنبؤ به
2- معايير تحديد السلوك السوي والسلوك غير السوي:
ويحتمل السلوك أن يكون مقبولاً أو غير مقبول, بناءً على المعايير التي يُحتكم إليها أو إلى المنظومة القيمية, التي نقررها, ولهذا فقد تتباين أحكامنا على السلوك باختلاف المجتمعات الإنسانية. ويمكننا أن نصف السلوك بأنه سوي إذا اتصف بما يلي :
أ. الفاعلية:
وذلك بأن يتصرف الشخص بشكل إيجابي يحقق النتائج المطلوبة لحل المشكلات التي يواجهها رغم ما يعترضه من عقبات أو صعوبات.
ب. الكفاءة:
وذلك بأن يكون قادراً على استخدام ما لديه من إمكانات بفاعلية لتحقيق ما هو ممكن أو متاح.
ج. الملائمة:
وذلك بتوافق السلوك مع عمر صاحبه, ومع خصائص الموقف الذي يتم فيه السلوك.
د. المرونة:
الشخص السوي هو القادر على تكييف سلوكه وفقاً لما تحتاجه المواقف أو الظروف المتغيرة.
هـ. الاستفادة من الخبرة:
وذلك بتوظيف تجاربه وخبراته والاستفادة منها في توليد السلوك الجديد.
و. القدرة على التواصل الإنساني:
وهي حاجة من الحاجات الأساسية التي لا غنى عنها, والشخص ذو السلوك السوي هو القادر على تحقيق هذا التواصل على نحو مقبول ومرضي.
ز. تقدير الذات:
وهو الشخص القادر على تقييم ذاته بموضوعية, مميزاً لجوانب القوة والضعف لديه, ويعمل على تعزيز جوانب القوة لديه واستكمال جوانب الضعف ومعالجتها. (عربيات,2007)
أما عن معايير تحديد السلوك غير السوي كما أشار إليها (دافيدوف)فهي :
أ. معيار النشاط المعرفي:
وذلك بأن تحدث إعاقة لأي من القدرات العقلية كالإدراك, أو التذكر, أو الانتباه, أو الاتصال .
ب. معيار السلوك الاجتماعي:
وذلك عندما ينحرف السلوك عن القيم والعادات والتقاليد, أو أن يكون مخالفاً للاتجاهات الدينية أو العقائدية السائدة.
ج. معيار التحكم الذاتي:
وذلك عندما يعجز الفرد عن التحكم بسلوكه, مع استمرار هذه الحالة أو تكرارها بشكل كبير.
د. معيار الضيق والكرب:
عندما يعبر الفرد عن معاناته, أو ضائقة بطريقة يتجاوز فيها حدود المعقول فإن هذا يعتبر سلوكاً يحتاج إلى معالجة.
هـ. معيار الندرة الإحصائية:
حيث يتوزع أفراد المجتمع وفقاً للمنحنى السوي, بحيث يتمركز غالبيتهم في منطقة الوسط وحوله, بينما يتواجد بعض أفراده على أطراف المنحنى, والشخص الذي يوسم سلوكه بالسوي لا يكون من أفراد المجتمع المتواجدين على الأطراف.
و. المعايير النمائية:
إذ إن لكل مرحلة عمرية مظاهرها النمائية والسلوكية , فإذا تجاوز سلوك الفرد إلى مراحل سابقة, كان سلوكه غير سوي.
ز. معيار الإقرار الذاتي:
ويقوم على إقرار الفرد من تلقاء نفسه بأن سلوكه غير سوي. ولعلَ هذا المعيار يحتاج إلى درجة عالية من الموضوعية إذ أن قلة من الناس من يمتلك القدرة على الاعتراف بأن سلوكه غير مقبول وأنه بحاجة إلى علاج.
ح. المعيار الطبيعي:
إن سلوك الفرد ينبغي أن يكون متوافقاً مع الفطرة السوية كما يخضع لقانون المحافظة على النوع وتناسل الكائنات الحية ومنها الإنسان, فإذا كان سلوك الإنسان لا يتفق مع أسس بقائه فإنه يكون غير سوي.( بشير,2007)
• معايير ومحكات السواء واللاسواء في علم النفس المرضي: كل ما تم عرضه يقودنا للحديث عن تنوع المعايير التي تتحكم في السواء والمرضي ومن بين هذه المعايير التي تُتخذ لتحديد السوي والمرضي نجد :
2-1 السواء و اللاسواء من وجهة نظر إحصائية : إن الرياضي البلجيكي أ . كيتلي A. quetlet كان أول من استخدم منحنى قوس GAUS في توزيع معطيات إنسانية حيث نشر "نظرية الرجل المتوسط" في كتابه و حاول عبر هذه النظرية أن يبرهن أن الإنسان السوي هو الإنسان المتوسط وفق النزعة المركزية للمعطيات الإحصائية ، وتعتبر الانحرافات على الجهة اليسرى أو اليمنى للمنحنى معبرة على اللاسواء ، وحسب وجهة نظره كلما كان الانحراف عن المتوسط كبير كلما كان السواء كبير و العكس .
و من جهة أخرى كلما كان التوزيع عادي بعد قياس ظاهرة معينة فإن المفحوصين يتمركزون على انحرافين معياريين أحدهما سالب و الآخر موجب و نقطة تقاطع الانحرافيين لتحديد المتوسط هي التي تبين الأسوياء من المفحوصين وغير الأسوياء منهم.
ويعتمد المعيار الإحصائي على فكرة تصنيف السلوك بدلا من تصنيف الأمراض كما يفترض تنوع سلوك مختلف الأفراد طبقا لدرجات تختلف عن بعضها البعض اختلافات طفيفة بحيث يمكن ترتيبها عبر متصل يتراوح بين قطبين ، واللاسواء يكون عند نهاية القطبين (على الأطراف) ، ففي ضوء هذا المعيار فإن الأفراد الذين يعانون من درجات مرتفعة من القلق أو الاكتئاب يعتبرون غير أسوياء لأن خبرتهم تنحرف عن المعيار الشائع. بمعنى أدق فإن المعيار الإحصائي حسب العالم أ . كيتلي والعلماء الذين ينظرون للسلوك الإنساني من هذا المنظار هو الذي يمكن من تحديد متى يبدأ ميدان السواء و اللاسواء وفقا للمتوسط و الانحراف المعياري ، لكن العلماء وجدوا أن هذه الوجهة نسبية و اعتباطية ربما قد تصلح لبعض الظاهر مثل الطول ، الوزن ، العدوانية… لكنه من غير المعقول إذا كنا نتكلم مثلا عن الذكاء اعتبار الشخص الذكي جدا غير سوي فهذا المعيار يساعد في التمييز بين السلوك المرغوب والمقبول والسلوك غير المقبول أو غير المرغوب فيه وهو يساوي بينهما بشكل لا يمكن قبوله هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن هناك أنواعا من السلوك والخبرة تبدو شائعة ويمكن اعتبارها سوية بالمعنى الإحصائي مثل شرب الخمر في المجتمعات الغربية ولكنها من منظور وطيفي يمكن اعتبارها غير سوية لأنها ضارة وقد صنفت وفق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية ضمن الاضطرابات المصنفة ، وفي المقابل هناك أنماطا من السلوك النادرة وغير المتكررة لا يمكن اعتبارها غير سوية ، كالحفاظ على ممارسة الرياضة صباح كل يوم أو الذهاب إلى العمل سيرا على الأقدام ، والمراجعة الطبية الدورية…الخ من السلوكات التي تتسم بالندرة في بعض المجتمعات ورغم ذلك لا يمكن اعتبارها غير سوية.
2-2 السواء و اللاسواء من وجهة نظر اجتماعية : من المعروف أن المعايير الاجتماعية هي الاتجاهات و العادات و القيم التي توجه استجابات أعضاء الجماعة وتحقق تطابق في التصرفات أو في الأحكام مما يزيد في وحدة الجماعة ويعني هذا أنها تعتبر بمثابة إطار مرجعي للفرد ، وحسب نظرية المعيار الاجتماعي فإن السواء هو موافقة أو تطابق السلوك مع نمط مقرر يخضع لمستوى ثقافي وعقائدي سائد و يتمثل اللاسواء في عدم الامتثال .
من الواضح جدا أن هذا المعيار يركز على مرجعية الجماعة للحكم على السلوك بأنه سوي أو غير سوي ، وهو ما يدفعنا للقول أن هذه المرجعية تجعل من السواء و اللاسواء يختلف من مجتمع إلى آخر و بالتالي عدم ثباته وتغيره من بيئة إلى أخرى. فقد أظهرت الدراسات الميدانية في الأمراض النفسية ما تعتبره بعض المجتمعات مرضا يستحق العلاج ، يُنظر إليه في مجتمعات أخرى أنه نوع من السلوكات المقبولة والمرغوب فيها ، وقد وجد العلماء أن وجهة النظر الاجتماعية تنظر إلى السلوك اللاسوي على انحراف وليس مرضا خاصة ، وفي هذا الصدد وضع "سكوت" محكه الخاص بسوء التوافق الاجتماعي معتمدا بوضوح على هذا المفهوم حيث يرى أن التوافق يتحدد من معايير المجتمع بأكمله أو من معايير بعض الجماعات الفرعية داخل نطاق المجتمع .
ولم يسلم هذا المعيار من النقد ذلك لأن التباينات الثقافية والاختلاف الشديد في المعايير يجعل مفهوم السواء واللاسواء مفهوما نسبيا غير ثابت، بالإضافة أنه هذا المعيار يجعل من الصعب التمييز بين المرض النفسي والعقلي من ناحية وبين الانحراف الاجتماعي من ناحية أخرى هناك أيضا عامل الزمان والمكان اللذان يساهمان بشكل كبير في تحديد مفهوم السواء واللاسواء، ومن جهة أخرى فإن تركيز هذا المعيار على المعايير الاجتماعية وعلاقات الفرد بالآخرين يجعله يهمل مشاعر الفرد ورؤيته الذاتية لنفسه .
2-3 السواء و اللاسواء من وجهة نظر مثالية : إن تعريف السواء كمثالية يعني أنه توجد عدة مستويات من المرض الخطير إلى الصحة المثالية بالنسبة لدرجة الخطورة وبطريقة تنازلية نجد الحالات الذهانية الخطيرة ثم الأعصبة، فالحالات الخفيفة التي تمس معظم أفراد المجتمع ، وبالنسبة للعاديين نجد أولا الأفراد المتكيفين بصورة دائمة ثم قرب قطب الصحة المثالية التي تتمركز فيها الشخصيات الإبداعية التي تحقق إمكانياتها.
2-4 السواء و اللاسواء من وجهة نظر غياب المرض : يعزو مفهوم غياب المرض لمصطلح "التفوق" أو مصطلح "التأثير " ويقصد بمصطلح "التفوق" عدد الحالات المرضية بالنسبة لـــ 100 ألف نسمة خلال سنة مثلا . أما مصطلح "التأثير" عدد الحالات المرضية الجديدة التي تظهر خلال فترة معينة من الزمن مثلا سنة . نلاحظ أن مصطلح التأثير يخص فقط الحالات الجديدة التي تظهر بينما التفوق يخص الحالات الجديدة و القديمة معا، ولحساب درجة التفوق و التأثير نستطيع أن نعرف نسبة الأشخاص المصابين بالمرض وحتى التنبؤ بنسبة الأشخاص الذين سوف يمرضون ، نستعمل طريقتين :
- الطريقة الأولى تتمثل في إحصاء مجتمع مستشفيات الطب العقلي ويمكن توزيع هذا الإحصاء في المصالح الخارجية وحساب النسبة انطلاقا من عدد السكان الأصلي.
- الطريقة الثانية وهو التحقيق العدوي الذي يجري على عينات تمثل المجتمع الأصلي والأرقام المحصل عليها بهذه الطريقة بينت تفوق كبير للاضطرابات العقلية ،بمعنى حينما نحص المجتمع برمته من أجل كشف نسبة المرض سنجد أن النسبة مرتفعة جدا إذا ما كان إحصاؤها عن طريق المراكز الاستشفائية .
فالمرض أو غياب المرض كثيرا ما يرتبط بعدة مترادفات منها السواء واللاسواء لكن المعاجم والقواميس تفرق بينهما على اعتبار أن المرض يمثل دائما انحطاط وتقهقر في الصحة وهو عكس لا سوي ولكن غير متناقض معه ومن جهة أخرى كلمة مرض تدل على وجود سبب و ميكانيزم مفسر لكيفية تأثير السبب على الجسم لإحداث المرض.
2-5) السواء واللاسواء من وجهة نظر نفسية: هذا المعيار ليس ذاتيا وإنما موضوعيا كما يظهر لنا من اسمه ، فهذا المعيار ينظر إلى السلوك على أنه فاعلية نفسية ناجمة عن ديناميكية خاصة تحركها الدوافع الكامنة وراء ها من أجل تحقيق غرض معين. وبالتالي يكون اللاسواء عبارة عن اضطراب شديد في السلوك ووظيفته فلا يكفي أن يكون السلوك نادرا الوقوع أو مختلفا عن المألوف لتسميته لاسويا بل إنه يوصف باللاسوي حين يقودنا التحليل العلمي إلى التأكد من وجود الاضطراب الوظيفي الشديد فيه .
2-5) السواء واللاسواء من وجهة نظر علم الأعصاب: يرى هذا المعيار أن الدماغ السوي يختلف عن الدماغ غير السوي في العدد الحقيقي للخلايا العاملة في منطقتي اللحاء واللتان تسميان بالطبقتين تحت الحبيبية وفوق الحبيبية ، وكلما اقترب الدماغ من السواء اتسعت الطبقة فوق الحبيبية وضاقت الطبقة تحت الحبيبة ،وهناك توجه عالمي في هذا المعيار يحاول العلماء من خلاله ربط كل أنواع وأنماط السلوك المختلفة بما يسمى "علم الأعصاب" أي أن لكل سلوك سببية عصبية، ومن مزايا هذا المعيار أنه يمكن تعميمه على مختلف الثقافات ولكنه صعب التطبيق.
إن هذه المعايير أو المحكات كانت ولا تزال تمثل حلا لمشكلة تعريف السواء واللاسواء لكن هذه الحلول هي حلول جزئية وليست شاملة وكاملة ، إذ وجدنا أن كل معيار يركز على جانب ويهمل بقية الجوانب،ومن هنا تبرز الحاجة إلى منظور متكامل (تكاملي) تتم فيه الاستفادة من مميزات كل المعايير، والشيء الملفت للانتباه من خلال هذه الرؤى أن إدراك الآخرين هو المعيار لتحديد السواء واللاسواء وهذا يعني أن المعيار الاجتماعي له دور كبير في تحديد طبيعة السلوك إن كان متكيفا أو غير متكيف، ومن جهته يؤكد التحليل النفسي أنه لا توجد حدود أو انقطاع بين السوي و اللاسوي لآن من كان في زمن ما سوي بعد زمن آخر قد يصبح لا سوي والعكس بالنسبة للاسوي. كما يمكن أن نلاحظ أن هذه المعايير قد استخدمت في تحديد السواء واللاسواء ولم تركز أكثر على مفهوم المرض النفسي الذي لا يترادف مع اللاسوي لأنه أحد مظاهره ، أو بمعنى آخر فإن السواء واللاسواء أوسع وأشمل من مفهوم الصحة والمرض.
مفهوم السلوك وأنماطه:
السلوك هو حالة من التفاعل بين الكائن الحي ومحيطه (بيئته), وهو في غالبيته سلوك مُتعلَم (مكتسب), يتم من خلال الملاحظة والتعليم والتدريب, ونحن نتعلم السلوكات البسيطة منها والمعقدة. وإنه كلما أتيح لهذا السلوك أن يكون منضبطاً وظيفيا ومقبولاً, كلما كان هذا التعلُم إيجابياً, وأننا بفعل تكراره المستمر نحيله إلى سلوك مبرمج الذي سرعان ما يتحول إلى " عادة سلوكية " تؤدي غرضها بيسر وسهولة وتلقائية.
ويُنظر إلى السلوك أيضاً على أنه كل ما يفعله الإنسان ظاهراً كان أم غير ظاهر. وينظر إلى البيئة على أنها كل ما يؤثر في السلوك, فالسلوك إذن هو عبارة عن مجموعة من الاستجابات, وإلى البيئة على أنها مجموعة من المثيرات .
أما السلوك الصفي في المدرسة, فهو كل ما يصدر عن الطلاب من نشاط داخل غرفة الصف أو داخل المدرسة. ويقسم هذا السلوك إلى قسمين:
أ . السلوك الأكاديمي:
كالقراءة والكتابة والتفكير, وحل المسائل وغيرها .
ب . السلوك الانضباطي:
كالصراخ أو الضحك أو الأكل في غرفة الصف أو إيذاء الغير أو التكلم بدون إذن وما إلى ذلك . ( عربيات, 2007, 193-195)
• ومن ألأنماط السلوكية التي يقوم بها الطالب نتيجة عدم إشباع حاجاته من الانتماء, والقبول والشعور بالأهمية:
1- جذب الانتباه
2- ممارسة السلطة.
3- اللجوء إلى الانتقام.
4- إظهار العجز: والذي تعود أسبابه إلى: الطموح الزائد, الحساسية الزائدة, عدم القدرة على المنافسة.
• قياس السلوك وتسجيله:
يمكن للمعلم أن يقيس ويسجل السلوك بواحدة أو أكثر من المظاهر التالية:
أ . معدَل تكرار السلوك .
ب. مدة حدوث السلوك .
ج . طبوغرافية السلوك .
د . قوة السلوك أو شدته .
هـ . كمـــــون الســلوك .
و . مكان حدوث السلوك . (بشير, 2007 ص 197)
• أسباب حدوث السلوك غير المقبول:
يحدث السلوك غير المقبول نتيجة أخطاء في:
أ . التنشئة الاجتماعية :
إذ إن للأسرة, والجيران, والرفاق, وأفراد المجتمع المدرسي, ووسائل الإعلام, وثقافة المجتمع وقيمه, أثارها الكبرى على تشكيل سلوك الفرد من خلال عملية التنشئة الاجتماعية. وإن أية أخطاء قد تحدث من هذه المؤثرات سواء أكانت بقصد أو بدون قصد ستترك أثارها المؤذية على السلوك الإنساني ومن الأمثلة على ذلك:
1. الحماية الزائدة.
2. الإهمال الزائد.
3. المساندة العمياء.
4. التساهل.
5. التسلط .
6. الإهانة والتحقير.
7. التدليل الزائد.
8. سلب حرية اتخاذ القرار.
9. معاملة الطفل الذكر على أنه أنثى.
10. العقاب المتذبذب.
11. التفرقة بين الأبناء.
12. إثارة الألم النفسي من خلال إشعار الطفل بالذنب.
ب. الأمراض العضوية:
كالاضطرابات السمعية, أو البصرية, أو أمراض السكر, أو البدانة, أو الضعف العام. إن لكل منها تأثيراتها على السلوك العام للطفل مثلما أن لبعض الاضطرابات السلوكية تأثيرها أيضاً مثل: الغيرة, القلق, الخوف, الخجل, مما يتسبب في أخطاء سلوكية عديدة.
ج. دور النماذج السلوكية السلبية: وهم نماذج لأطفال يمتلكون صفات أو سمات متميزة تتيح لهم الحصول على بعض المكاسب المادية والمعنوية مثل: الطلبة القادة أو النجوم في غرفة الصف أو مثل : أبطال المسلسلات التلفزيونية أو أبطال السينما.
د. دور الرفاق:
تشكل جماعة الرفاق مرجعاً هاماً للطفل, إذ تزوده بالمعايير, والقيم, والاتجاهات التي تتبناها الجماعة طمعاً بالحصول على القبول والدعم والتأييد, مما يشكل اتجاهات سلوكية غير مقبولة يكون لها تأثيرها السلبي الواضح.
هـ. دور وسائل الإعلام:
المواد الإعلامية ودورها الإيجابي أو السلبي في التأثير على السلوك.
( بشير, 2007, 197-199)
• أنواع المشكلات السلوكية:
يكاد لا يخلو صف دراسي من المشكلات الصفية ومع أن أية مشكلة تحدث داخل الصف, أثناء تفاعل الطلاب مع بعضهم بعضاً, أو مع معلميهم هي مشكلة سلوكية إلا أنه يمكن تصنيف هذه المشكلات في فئتين رئيسيتين هما:
أ- المشكلة التعليمية التعلمية:
وهو السلوك الذي يقوم به الطالب ويكون مرتبطاً بعملية التعلم بشكل مباشر, وبالتالي تعمل على إعاقة الطالب عن العملية التعليمية, أو المعلم عن التعليم, ومن أمثلتها: نسيان الطالب إحضار كتابه أو قلمه إلى غرفة الصف, عدم القيام بواجبه ألبيتي, عدم انتباه الطالب للمعلم أو لغيره من الطلاب عندما يتحدثون حول موضوع دراسي معين, والخروج المتكرر في أثناء سير الدرس, والتغيب الكثير عن المدرسة دون عذر.
الطلبة الذين يقومون بسلوكيات غير مقبولة يتسببون في تدني تحصيلهم الدراسي من جهة وفي تدني تحصيل غيرهم من جهة أخرى لما يسببونه من تعطيل لفعاليات الدرس, فضلاً عن ضياع الكثير من الجهود والأوقات التي ينبغي بذلها واستغلالها في تحقيق الأهداف المخطط لها.
ب- المشكلات السلوكية:
من أمثلتها: التكلم من دون إذن المعلم, الضحك المرتفع, والحديث الجانبي مع الطلاب, ومضغ الطعام أو العلكة أثناء الدرس, والتأخر عن طابور الصباح, والتحرك في غرفة الصف من مكان إلى أخر. وهذه السلوكيات قد تزداد حدة عند بعض الطلبة لتصل إلى حد التخريب, التحدث بلغة بذيئة, محاولة السرقة, وحتى القتل , حمل السلاح أو تناول المخدرات.
• وتقسم المشكلات السلوكية إلى قسمين:
1- المشكلات الفردية:
وهي تحدث من خلال التفاعل الاجتماعي الصفي حيث يسعى الطالب في الصف إلى إشباع هذه الحاجة, فإذا تمكن الطالب من تحقيق الانتماء والقبول من زملائه في الصف وشعر بأهميته بينهم فإنه يصبح متعاوناً ومساهماً بفعالية في النشاط الصفي, أما إذا حدث العكس وشعر أنه غير مقبول ولم يستطع تحقيق الانتماء فإنه سوف يستعمل طاقاته ليجد مكاناً بأية وسيلة أخرى ممكنه. لذا على المعلم أن يكون واعي للغايات الموجهة لهذا السلوك لدى الطالب ومن ثم العمل على معالجة السلوك نفسه ونواحي القصور فيه من خلال إيجاد بدائل أفضل للسلوك المطلوب.
2- المشكلات الاجتماعية:
والتي يمكن أن تكون على الأشكال السلوكية التالية:
1- ضعف وحدة الصف وترابطه.
2- عدم الالتزام بمعايير السلوك والقواعد.
3- الاستجابات السلبية من جانب أعضاء جماعة الصف.
4- موافقة الصف وتقبله لسلوك سيئ.
5- العجز عن التكيف البيئي.
6- القابلية لتشتيت الانتباه والتوقف عن التعلم.
7- انخفاض الروح المعنوية, والكراهية, والمقاومة, ,الاستجابات العدوانية.
(ألعبادي,2005)
وسف يتم التعرض في هذا التقرير إلى إحدى المشكلات السلوكية ألا وهي السلوك العدواني في الصف والتي تعتبر من المشكلات التي يواجهها المعلم في الغرفة الصفية, وهي تعمل على إعاقة العملية التعليمية في الصف.
• السلوك العدواني:
السلوك العدواني: هو إلحاق الأذى بالآخرين. وقد يكون عدواناً ظاهراً أو باطناً ضمنياً. العدوان الظاهر هو جسدي مثل: الضرب والعض ورمي الأشياء, أو نفسي مثل الإهانة والتحقير والتهديد, أو لفظي مثل: الشتم وإطلاق الأسماء. أما العدوان الباطن فهو عملية التخطيط لإيذاء الآخرين دون أن يعلن المعتدي عن عدوانه.
مثال: يخطط لوضع شيء في طريق الآخرين لكي يقعوا, أو أن يعمل على تخريب أدوات الآخرين وممتلكاتهم دون أن يعرفوا.
(أبو طالب, وآخرون, 2004, 87)
• أسباب المشكلة:
قد يرجع السبب في العدوانية لدى الطلبة إلى تداخل العديد من العوامل, والتي قد ترجع إلى الطالب نفسه, أو أسرته, أو مجتمعه, أو حتى إلى المدرسة بمعلميها وإدارييها. وفيما يلي بعض التحليلات لهذه السلوكيات العدوانية:
1-التعرض لخبرة سيئة سابقة.
2-الكبت المستمر.
3-التقليد.
4-الشعور بالنقص
5-الفشل والإحباط المستمر
6-تشجيع الأسرة على العدوان.
• أثار العدوان على المعلمة وعلى أطفال الصف:
1-يعيق الطفل العدواني أداء بعض الأنشطة في أثناء الرتابة اليومية.
2-يشتت تركيز الأطفال في أثناء أدائهم لمهامهم.
3-يخيف بعض الأطفال بأساليب سلوكه العدواني.
4-إذا كان العدوان شديداً فقد يؤثر في صبر المعلمة وتمالكها مع نفسها وسيطرتها على النظام الصفي.
(أبو طالب وآخرون, 2004, 88)
• إستراتيجية تعديل السلوك العدواني:
إن علاج العدوانية عند الطلاب لا يقع على عاتق المدرسة فقط أو الأسرة بل يجب أن تتكاتف فيه جهود المدرسة والأسرة والمجتمع, حتى يمكن الحصول على نتائج مرضية, وسيتم تحديد قسمين من العلاج:
الأول غير مباشر: وهو علاج وقائي احترازي.
والثاني علاج مباشر: عقب صدور السلوك مباشرة.
• القسم الأول: العلاج غير المباشر(الوقائي):
1-الاهتمام بما يتم تقديمه للتلاميذ في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء, حيث أن التلاميذ وخصوصاً في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية هم في مرحلة التلقي, ولديهم استعداد لتقليد أي شيء دون تمييز بين موجب وسالب, غير أن هذا النوع من العلاج لا يمكن أن يتم إلا من خلال تدخل السلطات العليا.
2-تطوير التعليم, والعمل على إعداد معلمين ذوي كفاءة, محبين للعلم, ذوي قدرة على العطاء والإنتاج.
3-الاهتمام بالناحية النفسية للتلميذ العدواني عن طريق متابعته داخل الصف (دور المعلم) والمدرسة (من خلال المشرف التربوي), وفي أسرته ومجتمعه. والنظر فيما إذا كان يعاني من مشكلات أسرية أو اضطرابات نفسية, أو عادات خاصة, والعمل على خلق البدائل المناسبة له.
• القسم الثاني: العلاج المباشر:
وهنا لابد من الانتباه الشديد حتى لا يؤدي العلاج إلى تفاقم الأمور كما يحدث في بعض الأحيان.
من خلال العلاج المباشر نستطيع القيام بالخطوات التالية:
1-النصح والإرشاد, حيث من الممكن أن يتكلم المعلم أو الأخصائي الاجتماعي مع التلميذ حول:
• ضرورة أن يفهم التلميذ أنه ليس كل ما يتمناه يمكن تحقيقه أو يجب أن يحققه.
• ضرورة التعايش والتفاهم السليم مع البيئة, والتعامل الدبلوماسي مع الغير في سبيل الوصول إلى الهدف, بدلاً من العنف الذي لا يؤدي إلا إلى عنف أشد.
• ضرورة احترام القوانين والنظم السائدة لأنها السبيل إلى ضمان العيش الكريم, وإلا فإن مخالفتها تؤدي إلى الفوضى وضياع الحقوق.
2-في حالة عدم جدوى الكلام والنصح مع التلميذ سواء مع المعلم في المرحلة الأولى من حل المشكلة, أو المرشد التربوي كمرحلة ثانية من حل المشكلة (حيث يلجأ المعلم إليه للمساعدة في التعامل مع التلميذ) يتم تعريض التلميذ لمثيرات منفرة عقب صدور سلوك العدوان منه على أن تكون متدرجة في الشدة فتكون على سبيل المثال: خصم درجات أو الفصل المؤقت أو العقاب المعنوي أو استدعاء ولي الأمر.
(ألعبادي, 2005)
• النظريات التي تفسر اسباب الاضطراب السلوكي :
• النظرية السلوكية .
• النظرية البيئية .
• النظرية البيوفسيولوجية .
• النظرية التحليلية .
• النظرية السلوكية
من وجهة نظر السلوكيين ان السلوك السوي وغير السوي متعلم و معظم السلوكات متعلمة باستثناء الانعكاسات وعندما تحدث العلاقة الوظيفية بين المثير والاستجابة يحدث التعلم . مثلا : يتعلم الطفل ان البكاء يخلصه من الالم والجوع . وهناك معايير للحكم على السلوك غير السوي كالمعيار الاجتماعي والذاتي ومعايير اخرى كالشدة والتكرار .
ويتلخص محتوى هذه النظرية بعبارة (ان السلوك محكوم بنتائجه) وتهتم النظرية السلوكية بالسلوك الظاهر غير الملائم وتصميم برنامج التدخل المناسب للعمل على تغيير السلوك الملاحظ وتعديله .
• النظرية البيئية
تفسر هذه النظرية ان الاضطرابات السلوكية والانفعالية هي نتاج تفاعل الفرد مع البيئة ، ويعتمد حدوث الاضطراب السلوكي والانفعالي على نوع البيئة التي ينمو فيها الفرد .
يعرف هارنج وفيليب (haring & Philips) المضطرب سلوكيا بانه (الشخص الذي لديه مشاكل شديدة مع الاشخاص الاخرين مثل الرفاق او الاباء والمدرسين) .
• النظرية البيوفسيولوجية
من المعتقد ان بعض الاضطرابات السلوكية انما تحدث من خلال عملية الانتقال الجيني او الوراثي . وقد استخدمت نظريات الانتقال الوراثي لتفسير السلوك الذهاني ، وانماط اضطراب التوحد ، والفصام وتعتبر النتائج التي اسفرت عنها الدراسات التي اجريت على الفصام هي اكثر النتائج اقناعا . وبوجه عام فقد اكدت نتائج الدراسات التي اجريت على التوائم ودراسات التبني انه كلما كانت العلاقة البيولوجية للفرد بشخص مريض بالفصام اقوى زاد احتمال اصابته هو الاخر بالفصام (Buss , 1966 , kallman & Roth , 1956) ويشير كيتي (1973) Kety الى نقطه هامة في هذا الاطار فيرى انه على الرغم من ان معدل انتشار الفصام بصورة عامة يبلغ 1% تقريبا فان معدل انتشاره بين الاطفال الذين يعاني احد والديهم من الفصام يتراوح بين 12-16% تقريبا ، اما عندما يعاني كلا الوالدين من الفصام فان هذا المعدل يزداد ليتراوح احتمال حدوثه بين 39-68% تقريبا .
• النظرية التحليلية
تنظر نظرية فرويد الى عدم ملاءمة السلوك على انه نتيجه للصراع بين مكونات الشخصية ، وتفترض ان شخصية الانسان تتالف من ثلاث قوى متفاعلة تتمثل في الهو والانا والانا الاعلى .ويعتبر الهو id بمثابة محزن للدوافع الغريزية التي تمثل الطاقة النفسية ، والتي تعمل على تنشيط الشخصية حيث تؤثر علينا كي نبحث عن الحد الاقصى للسعادة الفورية وتجنب الالم .اما الانا ego فهو منظم الشخصية ، وهو الذي يعمل على اشباع الدوافع الغريزية التي يتضمنها الهو وذلك في نطاق تلك الحدود التي يفرضها الانا الاعلى .
ويعتبر الانا الاعلى superego هو الضمير والانا المثالية حيث يعرفنا ما ينبغي ان نفعله ، ويشعرنا بالذنب عندما نفعل اي شئ خاطئ او نرتكب اي خطأ . ويشهد الواقع اننا عند الولادة لا يكون لدينا سوى الهو ، اما الانا والانا الاعلى فيتمايزان مع تقدمنا خلال مراحل نمونا النفسي .
(يحيى ، 2000 ، ميكل واخرون ترجمة عادل عبدالله ، 2008 )
• صفات المضطربين سلوكيا وانفعاليا :
السلوك العدواني
ويتمثل السلوك العدواني بالسلوكات التخريبية الموجهة نحو الذات ونحو الاخرين من تخريب وضرب ورفض اوامر وسلوك فوضوي في غرفة الصف وغيرها من السلوكيات المتعددة وتكون هذه السلوكيات بشكل متكرر وشديدة والسلوك العدواني اما لفظي او بدني
السلوك الانسحابي :
يتصف السلوك الانسحابي لدى الاطفال المضطربين سلوكيا وانفعاليا بالانعزال اجتماعيا وضعف الاتصال وقلة التفاعل مع الاخرين وعجز في المهارات الاجتماعية والهروب من المواقف المحبطة ومصادر القلق والتوتر ويكون نتيجة صراعات مكبوته من وجهة نظر التحليلين اما من وجهة النظر السلوكية ينتج السلوك الانسحابي عن فشل في التعلم الاجتماعي .
النشاط الزائد :
وهو نشاط بمستوى عالي لايمكن ايقافه بسهولة ويظهر في اوقات غير مناسبة ، ويتمثل بعدم الاستقرار وكثرة الحركة الزائدة عن الحد وصعوبة في الالتزام بالهدوء ويرافقه تشتت في الانتباه حيث يكون الطفل غير قادر على اكمال المهمة المعطاة له في الوقت المحدد وعدم الاهتمام بالمهمة وبالتعليمات المعطاه ، كما ان هؤلاء الاطفال يقومون بانماط اخرى من السلوك المتمثلة بالصراخ والمرح الصاخب وحركات جسدية باليدين والرجلين .
(الظاهر ، 2005 ، يحيى ، 2000 ، عبد العزيز ، 2005)
الخصائص المعرفية :
ان متوسط ذكاء المضربين سلوكيا وانفعاليا يقدر بحوالي 90 فهم في حدود المتوسط ونسبة قليلة منهم اعلى من المتوسط وبعض منهم يقع ضمن فئة بطيئي التعلم والتخلف العقلي البسيط .
وتتمثل هذه الخصائص بضعف في الذكرة والتي تعتمد على عملية الانتباه بدرجة كبير فتشتت الانتباه لدى هؤلاء الاطفال يجعلهم غير قادرين على اختزال المعلومة وبالتالي يصعب عليهم تذكرها ,
كما ان تحصيل هؤلاء الطلاب ضعيف واقل من الفرد الاعتيادي نتيجة اضطرابهم السلوكي والانفعالي .
(عبد العزيز ، 2005 ، يحيى ، 2000)
* البرامج التربوية للمضطربين انفعاليا وسلوكيا :
اولا : دمج فئة المضربين سلوكيا وانفعاليا في المدارس العادية حيث يأخذ الدمج الاشكال التالية :
1- دمجهم مع اقرانهم العاديين شريطة ان يتوفر معلم متخصص في التربية الخاصة لمساعدة المعلم الاعتيادي على فهم الطلاب وكيفية التعامل معهم او توفير غرفة مصادر يتوفر فيها جو التعليم الفردي وتحضر الطالب للمدرس في الصف العادي , يحول المضرب سلوكيا وانفعاليا الى غرفة المصادر بعض الوقت ثم يعاد الى غرفة الصف الاعتيادية .
2- دمج جزئي بحيث يتم تعليم الطالب المضطرب سلوكيا وانفعاليا في صف خاص من خلال معلم تربية خاصة ويدمج مع اقرانه الاعتياديين في مواد اخرى كالرياضة والفن وغيرها من المواد .
3- الدمج المادي وذلك من خلال وضعهم في صف خاص ملحق ضمن المدرسة الاعتيادية ويحتوي على الوسائل والادوات اللازمة والمساعدة ويقوم بتعليمهم معلم تربية خاصة .
ثانيا : فصل فئة المضربين سلوكيا وانفعاليا وخاصة الحالات الشديدة وياخذ هذا النوع من الفصل الشكلين التاليين :1- مراكز تربية خاصة نهارية بحيث تكون البيئة التربوية في هذه المدارس مصممة بشكل يتناسب مع المضطربين سلوكيا وانفعاليا وان تتوفر فيها جميع الخدمات التربوية والاجتماعية والطبية والنفسية وتقدم من خلال متخصصين .2- مراكز الاقامة الدائمة حيث يتم وضع الاطفال المضطربين سلوكيا وانفعاليا وخاصة الحالات الشديدة جدا بحيث تقدم لهم الخدمات المتنوعة من خلال فريق متعدد التخصصات وهناك زيارات اسبوعية من قبل اولياء الامور للمراكز او اخذ الطلاب الى بيوتهم في نهاية الاسبوع .
المدارس الخاصة قد تكون مناسبة اكثر من العادية لانها تقدم خدمات غير متوفرة في المدارس العادية خاصة لذوي الاضطربات الشديدة ولكن من سلبيات المدارس الخاصة ضعف التفاعل الاجتماعي مع الاطفال العاديين . ومن فوائد المدارس الخاصة:
1- المعلمون اكثر فهما لمشاكل واحتياجات الطلبة .
2- المدرسة الخاصة هي المكان المناسب للتعامل مع بعض المشكلات المزمنة والمتكررة للمضطربين سلوكيا وانفعاليا .
(يحيى ، 2000 ، الظاهر 2005)
• الخاتمة:
الطفولة صانعة المستقبل ، وهى عماد وأساس تقدم أي أمة ، وقد أكدت الدراسات النفسية على أهمية مرحلة الطفولة في حياة الإنسان ، وعلى خطورتها في تشكيل شخصياتهم.
والأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع بقدر ما هي نسق اجتماعي متماسك بنظام من العلاقات والأدوار بين أعضاء الأسرة تتسم بالخصوص والاستقرار لفترة طويلة ، لذلك فإن فالأسرة هي البيئة والمناخ الملائم لنمو الطفل.
إذا كانت الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتعلم من خلالها القواعد والأصول التربوية الأولى فيجب تحاشى الممارسات اللاسوية في تربية الطفل ومنها : النبذ والرفض، التذبذب، التفرقة، القسوة، التشدد، الإهمال، الحماية الزائدة، التبعية لما لها من أثر سيء على الصحة النفسية للطفل. كما يجب عدم استخدام العقاب البدني كوسيلة لضبط السلوك حتى لا يؤدى إلى ظهور الاضطرابات السلوكية والصراعات والتوتر النفسي لدى الطفل.
ضرورة العمل على إشباع حاجات الطفل من الحب والحنان والأمن والاستقلال والتقدير حتى يتمتع بصحة نفسية سوية. والعمل على تجنيب الطفل خبرات الفشل أو الإحباط والتي تؤدى إلى ظهور أعراض الاضطرابات السلوكية ، وتوفير فرص النجاح وتكليفه بأعمال تتناسب مع قدراته.
يجب على الوالدين استخدام الأساليب السوية في تربية الطفل ومنها : التقبل ، الاتساق ، المساواة ، الحنان ، العطف ، الرعاية ، التسامح ، الاستقلال ، لأن هذه الأساليب تمثل الوقاية بالنسبة للطفل من الاضطرابات السلوكية وتجعله يتمتع بصحة نفسية سوية.
إن العمل الجاد والواعي من قبل الوالدين في تربية الأبناء سيكون له بالغ الأثر في تكيف وسلوك الأبناء عند انتقالهم من مرحلة إلى أخرى في حياتهم, وسينشئ هذا الاستعداد الايجابي في التكيف مع المدرسة والمجتمع الذي يعيشون فيه. وبالمحصلة فإن عملية تعديل السلوكات التي قد تنشأ خلال المراحل العمرية المختلفة لدى الأبناء تكون وقابلة للتعديل بكل يسر وذلك كون البنية الرئيسية في تربية الأبناء من قبل الأهل موجودة وتم العمل عليها منذ الطفولة المبكرة.