كيف نحب مصرنا
حب الوطن هو التفاني لبلدك، بعيدا عن اختلافات معنى المصطلح من حيث الجغرافيا، والسياق، والفلسفة. هو شعور عام ينطبق على جميع البلدان والشعوب، والحب الوطني هو اخلاص الشخص لبلده.ولكى نحب وطننا الغالى مصرنا الغالية فعلى كل مواطن أن ما يلى
ابدأ بنفسك: قبل أن ترفع علم بلدك وتجري لتهتف باسمها، وأنا أحترم وطنيتك، فكر ماذا عملت لها، هل ساعدت فى ظهورها بمظهر حضاري لائق؟ أو اشتركت فى حملة توعية لخدمة مجتمعك؟ هل بدأت بنفسك لتكون مواطن متحضر ومنظم وتحترم القانون والنظام؟ لابد أن يبدأ كل فرد بنفسه، وعندها ستتغير الأمور كثيرًا وينشط الجميع وبالتدريج سوف تظهر معالم الرقي والتحضر، فنحن أحق الشعوب بهذه الألقاب؛ لأننا كنا أصحابها ولكن لا نملك الآن إلا آثارها.
واجبنا نحو الوطن: ومن هنا جاء واجبنا تجاه وطننا بالجد في طلب العلم واكتساب الخبرة، وبالتالي خدمة الوطن في شتى مجالات الحياة؛ ليتكون لدينا في المستقبل تقديم الأفضل للأجيال المهددة للغزو الثقافي، ومن واجب أفراد المجتمع التعاون في جميع بقاع الأرض؛ لتتحد كلماتهم وصفوفهم ويصبحوا كالبنيان المرصوص؛ فيستطيعوا إعادة العزة والمناعة لدولتهم وصد الأخطار عنها، كما لا يغيب عن بالنا ما للأخلاق من أهمية، بغرس الإيمان في النفوس والالتزام بالخير والحق والعدل والإخلاص في العمل وإتقانه، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالَى يحبُّ إذا عمِل أحدُكم عملًا أن يُتقِنَه).
الشغف بالمنشأ
لقد رُكِز في جبلّة البشر حبُّ الأوطان والشغَف بالمنشأ ، وهذا الحب -عباد الله- فطرةٌ ثابتةٌ في حنايا النفوس متجذِّرةٌ في شغاف القلوب ، ووطن المرء : أرضه التي بها وُلد ، وعليها تربى ، وعلى تربتها درج ، وبخيراتها نعِم ، وفي محاضنها نشأ . وإذا كانت -عباد الله- الإبل تحنُّ الى أوطانها والطير إلى أوكارها فكيف الأمر إذًا بهذا الانسان !! .
إن هذا الحب الجبلي للأوطان سببٌ لعمارتها وسلامتها من الخراب ؛ روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : «لولا حب الوطن لخرِب بلد السوء» ، وكان يقال: "بحب الأوطان عُمرت البلدان" . ويروى عن ابن الزبير أنه قال: «ليس الناس بشيءٍ من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم» . وقيل : "كما أنَّ لحاضنتك حقَ لبنها ، فلأرضك حُرمةَ وطنها" .
القرآن الكريم و حب الأوطان
لقد دل القران الكريم على هذه المكانة لحب الأوطان وأنه أمرٌ مركوز في الفطَر جُبلت عليه النفوس، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ [النساء:66] ؛ فقرن جل شأنه الجلاء عن الوطن بالقتل ، وهو بمفهومِه -عباد الله- يفيد أنَّ الإبقاءَ فيه عديلُ الحياةِ ، وقال الله سبحانه وتعالى : ﴿ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾ [البقرة:246] ؛ فجعل القتال ثأراً للجلاء .
وإذا كان هذا الحب قائمًا في نفوس البشر كلٌّ لوطنه فكيف الأمر في هذا الوطن المبارك ؛ بلدِ التوحيد والعقيدةِ ، ومَهدِ السنة والرِّسالة ، ومهبط الوحي ومأرِز الإيمان ، وأرضِ الحرمين ، وقِبلة جميع المسلمين ؟!
إن الوطن المسلم القائم على الشرع المقيم لحكم الله جل وعلا قد اجتمع لأهله حبان :
• حب فطري وهو المتقدم ذكره .
• وحب شرعي وهو ذلكم الحب العظيم المبني على الصلاح والإصلاح .
وتأملوا حب النبي صلى الله عليه وسلم للوطن متمثلًا في أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أَنَسٍ قال : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا» أي من حب المدينة ، لأنها وطنه المبارك وداره الطيبة ، فعَل ذلك عليه الصلاة والسلام وفيه أكرم الأسوة .
وأمَر صلى الله عليه وسلم أمته سرعة الرجوع إلى أوطانهم عند انقضاء أسفارهم وحاجاتهم سواءً منها الدينية أو الدنيوية ؛ روى الشيخان عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ )) .
بل إنه عليه الصلاة والسلام دعا إلى الرجوع إلى الوطن ولو كان السفر إلى مكة بيت الله الحرام ؛ روى الحاكم بإسناد ثابت عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لأَجْرِهِ)) ؛ قال العلماء المراد بأهله : أي وطنه وإن لم يكن له فيها ولد أو أهل.
المسلم الصادق أصدقُ الناس حبًا لوطنه
المسلم الصادق أصدقُ الناس حبًا لوطنه ؛ لأنه يريد لأهله سعادة الدنيا والآخرة بتطبيق الإسلام , وتبنِّي عقيدته القويمة , وإنقاذهم من النار ومن سخط الجبار , قال الله تعالى حكايةً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا﴾ [غافر:29] ؛ قال ذلك محذرًا لقومه وناصحًا لهم ومريدًا لهم الخير والصلاح والنجاة .
حب الأوطان الصادق لا يكون إلا بالسعي فيما يُصلحها ، ولا صلاح لها إلا في دين الله تبارك وتعالى ، ولا قَوام لها إلا بشرعه ، وكل ما عارض الشريعة فليس بإصلاح ، بل هو من الإفساد وليس من حب الوطن في شيء .
صلاح الوطن يكون بصلاح العقيدة الإسلاميّة واستقامتها ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور:55] .
ويكون بتحكيمِ الشريعةِ على أرضه وبين أهلِه وعمارةِ أرجائه بالإيمان وتقوى الرحمن ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾ [الأعراف:96] .
§ ويكون بإعلاءِ شأن الدّعوة إلى الله فيه وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال الله سبحانه : ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج:41] .
§ ويكون بمجانبة الذنوب والمعاصي وإقصاء الفساد والإنحلال ، فإنه دمارٌ للديار وهلاك لأهلها ؛ قال الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41] .
§ ويكون -عباد الله- بالبعد عن البطر وكفران النعم ، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ [النحل:112] .
إن المواطَـنَة الصالحة ليست كلماتٍ تُردَّد ولا شعاراتٍ تُرفَع ، وإنما هي إخلاصٌ وعمل ونصحٌ صادق للوطن رُعاةً ورعية .
وهذه دعوةٌ لنا يا من أكرمنا الله عز وجل بسكنى هذا مصرنا الغالية أو الإقامة فيه إقامةً مؤقتة أن نتقي الله عز وجل في هذا الوطن المبارك وأن تكون سكنانا وإقامتنا فيه مبنيةً على النصح والإصلاح والصلاح والبعد الكامل عن الشر والفساد ، ولنكن في ذلك كله مراقبين لله جل وعلا الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي النفوس ، وقد صح في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال : ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) ، قُلْنَا: لِمَنْ يا رسول الله ؟ قَالَ: ((لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) .